المادة    
لعلنا نكتفي بهذا القدر فيما يتعلق بكلامهم عن احتمالات المستقبل، وخطرهم، وما ينددون به، وسنستعرض ذلك بشيء مبسط جداً. فنقول: كيف يمكن أن يكون مستقبل العالم الإسلامي بعدما سمعنا، وعلى أثر هذه المقتطفات القليلة؟
  1. المستقبل من الناحية السياسية والاقتصادية

    المستقبل من الناحية السياسية والاقتصادية، ماذا تتوقعون أن يكون المستقبل إذا أصبحت أوروبا دولة واحدة، وأصبح الشرق والغرب تكتلاً واحداً وقوةً واحدة، وبعد سنتين سيتم ذلك تقريباً -كما أشرنا- وسوف يواجه العالم الإسلامي انتكاسةً اقتصاديةً كبرى.
    الآن لا يخفى عليكم، أن بعض دول العالم الإسلامي قبل عشر سنوات أو خمسة عشر سنة كان الريال السعودي يعادل وحدة من وحدات عملات بعض الدول، وفي هذه الأيام تشتري بالريال ما يعادل أربعمائة وحدة، دول كثيرة ما نستطيع أن نذكرها، دول كثيرة الآن بالريال تشتري أربعمائة وحدة من عملات هذه الدول، ماذا سيكون المستقبل؟! هذه نتيجة تعويم الدولار، ونتيجة الخطة الاقتصادية الأمريكية الخبيثة، ولكن ماذا تتوقعون في المستقبل؟!
    مشاكل كثيرة جداً:
    أولاً: أن رءوس الأموال الغربية سوف تتدفق إلى أوروبا الشرقية ومن ذلك ألمانيا؛ سوف تكون محط الأنظار، لماذا؟
    لأن الثروات والمواد الخام ومنها البترول موجودة فيها بشكل كبير، وأيضاً الضعف والنقص الشديد للتكنولوجيا موجود، حيث إن اليد العاملة رخيصة جداً، جاءوا بصورهم وألمانيا الغربية تعطي الألمان الشرقيين، كل واحد تعطيه مبلغ معين من الماركات وينهال على المأكولات والأكشاك العادية في شوارع برلين، ينهالون بشكل عجيب؛ فيأكلون من هذه الحلوى، وهذه الأشياء، لأن هذه الأشياء ما رأوها في حياتهم، مع أن ألمانيا الشرقية من أكثر دول أوروبا الشرقية تقدماً، لهذا سيجدون فيها العمالة الرخيصة جداً، والمواد الخام، والتقنية المتخلفة.
    إذاًَ سوف تتحول الاستثمارات إلى أوروبا الشرقية.
    وفي اجتماع عقد منذ شهر تقريباً في الولايات المتحدة الأمريكية، في الغرفة التجارية العربية الأمريكية عقد هذا الاجتماع، وتحدث رئيس الغرفة وهو رجل أمريكي، وقال: إن مستقبل العالم الإسلامي -أي مستقبل العالم العربي هو يقول بتعبيره- الاقتصادي سيكون سيئاً للغاية في الفترة القريبة جداً هذه، وذلك لأن رءوس الأموال الأمريكية سوف تنساق إلى أوروبا الشرقية، وذكر على سبيل المثال إحدى دول الخليج المهمة كثيرة التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، كيف أنه في السنة الماضية انخفض حجم التبادل بينها وبين أمريكا إلى (50%) ومن المتوقع في المستقبل أن يزداد ذلك، وأن يكون هذا التناقص عاماً للمنطقة كلها.
    وهذا الاجتماع جاء عقب اجتماع الرئيس بوش برجال الأعمال الأمريكيين، وأوصاهم ووجههم، قائلاً: يجب أن تتجه اهتماماتكم إلى أوروبا الشرقية وأن تنسوا ما عدا ذلك، فهنا ستكون كارثة اقتصادية للعالم الإسلامي، لأن الدول الفقيرة المدينة ستزداد ديوناً وفقراً مبقعاً وتتراكم ديونها الربوية للغرب بشكل مذهل، والدول الغنية سوف تفتقر وتصبح دولاً مدينة.
    هذا الذي يبدو الآن كما ذكر بأرقام ذكرها رئيس الغرفة التجارية العربية الأمريكية.
    وهذا من الأمثلة عليه، أذكر مثالاً واحداً فقط: بعض دول الخليج -والحمد لله- أنتجت من المواد البتروكيماوية منتجات عالية الجودة والامتياز، وعلى المواصفات العالمية، ثم ذهبت في البواخر وجالت شواطئ الدول الأوروبية فلم تستقبلها أي دولة، ولم يستقبلها أي ميناء رغم مواصفاتها العالية، بل وضع في وجهها الضرائب الجمركية الباهضة والحواجز التي جعلتها تعود أدراجها وتبيع حمولتها في بعض الدول الآسيوية الشاطئية، فهذا أحد الأمثلة وكلكم تعرفونه.
    وقيسوا على ذلك في المستقبل، إذا اتحدت أوروبا أكثر جمركياً وإدارياً واقتصادياً فسوف تواجهنا، حتى لو تفوقنا عليهم، وحتى لو أنتجنا أفضل الصنع لن يشتروا منا؛ لأنها صليبية حاقدة واضحة، ومع ذلك فإننا بالعكس أكثر ما ينتجه العالم الإسلامي ما هو إلا مواد خام يستهلكها العالم الغربي في صناعته، هذا أكثر شيء عند العالم الإسلامي.
  2. خطر المؤسسات الربوية على الاقتصاد

    وأسوء من هذا -ولنخرج عن موضوعنا قليلاً وهو له علاقة بالموضوع- أن الدول الغنية في العالم الإسلامي أو في الأفراد الأغنياء أو المجتمعات الغنية؛ تستهلك كل ثروتها وتهدر ثروتها للغرب في أمور تافهة، وفي كماليات وأشياء كثيرة يمكن أن تستغني عنها، وتحتفظ بأموالها وتوظفها للإنتاج، بل أنكى منه أن المؤسسات الربوية في العالم الإسلامي هي التي تدعم وتقفل الأبواب في وجوه المؤسسات الاقتصادية الإسلامية، مع أن المؤسسات الربوية جميعاً ترتبط بالمؤسسات الربوية الغربية، ولا يخفى عليكم الأمثلة: العطور، والأزياء، وأدوات التجميل... وهذه تنتج بأقل تكلفة ولكنها تباع بأسعار خيالية.
    خذ أية جريدة من جرائدنا بدون استثناء، وانظر إلى هذه الصور الفاضحة والدعاية الخليعة للعطورات والأزياء وما يتعلق بهما، ومعلوم أن المرأة إن كانت تعمل، فالراتب كله أو نصفه لهذه الأشياء، والرجل أيضاً استرضاءً للمرأة يفعل ذلك، وهناك أمور غريبة جداً تحصل من الترف.
    أيضاً: ما معنى أن تصبح هذه الحمامات، ونوادي تخفيف الوزن كما تسمى أو التخسيس ضمن المستشفيات، فالآن يوجد في المستشفيات حمامات للسباحة وللتخسيس..!!
    إننا نعيش في ترف كاذب والعالم يهددنا بكوارث اقتصادية خطيرة.
    الآن المرأة المسلمة لا تبالي أن تشتري فستاناً بـ (5000) ريال، أو بـ (10000) ريال، وأحياناً بأضعاف ذلك، لا تبالي أبداً، وإخواننا المسلمون يموتون جوعاً، المجاهدون وغير المجاهدين، ومع ذلك أيضاً نحن يتهددنا مستقبل أسود -والعياذ بالله- إن بقينا على هذه الحالة، ترف كاذب وأموال تهدر يومياً، وملايين في أسواقنا تدفع يومياً إلى جيوب المؤسسات اليهودية للأزياء والموضات والتجميل وما أشبه ذلك.
    وهذا غير الترف في الأشياء الأخرى: كالكماليات، والأثاث، والموبيليات، وأمور أخرى كثيرة.
    والمفروض ونحن نرى هذا العالم الغربي الصليبي الحاقد يتكاتف ضدنا ويعلن حرباً صليبية علينا ألا نعطيه قرشاً واحداً، أما ما كان ضرورياً أن نستورده فلنستورده من دول أخرى غير هذه الدول، وإن كانت كافرة هي الأخرى، لكن هذا عدو لدود، عدونا منذ أن ظهرت دعوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى التوحيد وحتى قيام الساعة، والحرب بيننا وبينهم دائرة لم تتوقف لحظة واحدة، والأحاديث الصحيحة تؤيد ذلك وتؤكده، وأخطر المعارك ستدور بين المسلمين وبين الغرب -الدول الصليبية- في أرض الشام وفي القسطنطينية إلى أن يظهر الدجال والمعارك قائمة، وقد ذكرنا ذلك في محاضرات سابقة تتعلق بهذا الموضوع، والمقصود أن المستقبل الاقتصادي والسياسي في العالم الإسلامي سيكون مظلماً في ظل هذا الوفاق الدولي الخبيث.
  3. المستقبل الثقافي والاجتماعي للعالم الإسلامي

    كما قلت: من الموافقات الطيبة أن تكون هذه المحاضرة في الاتصالات فإن ثورة الاتصالات العالمية هذه ستهدد العالم الإسلامي في ثقافته ودينه ولغته وأحواله الاجتماعية بما لا يكاد يخطر لنا على البال، والبث التلفزيوني المباشر أصبح وشيكاً، بل بُث وكما تعلمون أن بعض الدول بدأت تلتقطه، ويعملون على أنه في خلال فترة يسيرة جداً يستكمل تغطية العالم كله، وخطر ذلك على العقيدة كالشمس لا يخفى على أحد، لا سيما إذا علمنا أن النصرانية في الفاتيكان بدأت تستعيد قوتها، وأنها أطلقت ثلاثة أقمار صناعية، لتغطي العالم كله لأن كل قمر يغطي ثلث الكرة الأرضية، وكلها تبث التنصير على المسلمين، وتريد أن تنصر العالم ولا سيما العالم الإسلامي، وهذا غير الإباحية وغير الانحلال ووالله الذي لا إله غيره -ونحن في هذا الشهر المفضل- إن ما في إعلامنا من البلايا ليكفي خزياً وعاراً أن تربى الأمة عليه، والحمد لله أنها تتربى على مصادر أخرى، وإلا لو تربت على ما يعرض فقط في التلفزيون لرأينا العجب العجاب من الإباحية، فكيف إذا استقبلنا خلاعات الشرق والغرب بهذه الوسائل المتقدمة المتطورة؟! وهذا قريب، ولن يمضي أكثر من سنتين تقريباً إلا ويصبح هذا أمراً واقعاً.
    أمور أخرى أخطر، وهي غير البث التلفزيوني المباشر، ونحن عندنا الآن جمارك في المطار ورقابة المطبوعات، والمطبوعة التي لا تناسب الأخلاق والقيم، أو ما يسمى كذلك، فهي لا تدخل، وفي المستقبل القريب عن طريق الكمبيوتر، وعن طريق الاشتراك في تلكسات متطورة لن يستطيع أحد أن يراقب أية مطبوعة، لأنك تأخذ الجهاز وتشتريه، وترسل الشيك لكي تشترك في أي فرع من أي بنك وفي أي مكان من مراكز الإنتاج الثقافية -كما تسمى- أو السينمائية، فتأتيك المطبوعة ملونة جاهزة في بيتك.
    ويقال: أنه بعد سنوات قليلة لن يحتاج الناس أن يشتروا صحيفة أو يشتركوا فيها، أو -يأتي عبر البريد، لأنها سوف تنتقل عن طريق الأقمار الصناعية وعن طريق هذه الأجهزة، فـجريدة الشرق الأوسط -مثلاً- تطبع في لندن وجدة وفي الظهران، والأهرام وغيرها تطبع في أي مكان في العالم، وهذا الذي يُعمل الآن بشكل كبير سيصبح فردياً، وسوف يصبح الفرد الواحد في بيته وبجهاز ثمنه ضئيل جداً أن يشترك في أية مطبوعة في العالم وتظهر أمامه كاملة أمامه، إن كانت دعاية سياسية مغرضة فهي موجودة، أو دعاية ضد الإسلام وتحطيم للعقيدة فهي موجودة أمامه، أو كانت خلاعة ودعارة وانحطاط فهي موجودة، وتعلمون لو فتح هذا المجال، فإن الذين سيشتركون في بنوك المعلومات الثقافية، وبنوك المعلومات السياسية التي تعطيك أخبار العالم، يمكن أن يكونوا (10%) أو (1%)، أما أكثر الناس فسيحرص على الاشتراك في المجلات الخليعة والأفلام الخليعة ويفرح بذلك؛ لأنه لا جمارك تراقب ولا مراقب إعلامي عليها فالجهاز عنده والمطبوعة تصله.
    ومن المشكلات العظيمة في ظل هذا الوفاق التي سوف تكون: ازدياد النشاط السياحي -كما يسمى- والإباحي بالمعنى الصحيح، ولا سيما مع القفزة المتوقعة في عالم الطيران.. فالعالم يتحرك بسرعة مذهلة، ونحن متخلفون جداً بل حتى في تفكيرنا، واعذروني لأن هذه الموضوعات يجب أن نكون فيها صرحاء، ويجب أن نقول كلمة الحق، وهذا هو الميثاق الذي أخذه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وإلا فلا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير في من يهمه الأمر إن لم يسمعها، العالم يعيش في تحرك مذهل وبسرعة مذهلة، ونحن -وأخص طلبة العلم- جامدين بالمعنى الكامل، واسمحوا لي لو استطردت قليلاً، دروس الحرم -ونحن مقبلون عليها- دروس علمية، اسمع ما سجل عام 1405 أو 6 أو 7 أو 8 أو 9 أو 10، الموضوع والكلام فيها واحد.
    أنا وأنتم معي نرى نفس المجلس عند العلماء يسأل: ما رأيك يا شيخ في عدد ركعات التراويح؟ فيعيد الكلام الذي قاله قبل 10 سنين أو 20 سنة هي نفس القضية وسؤال آخر: ما رأيك يا شيخ في تحريك الإصبع؟ وما رأيك يا شيخ في كذا؟ ما رأيك يا شيخ في الجماعة الفلانية؟
    كلام مكرر، فأضعنا أوقات العلماء، وأضعنا أوقاتنا في قضايا مكررة، بل ربما نتشاجر ونختلف ونتضارب عليها، والعالم يتغير كما قلت أحياناً بالدقيقة، وهناك أشياء تحصل قد تهدد أصل عقيدتنا وأصل ديننا، فنحن المستهدفون من تحرك هذا العالم كله ولا سيما بلدنا هذه؛ لأنها هي منبع النور والخير والأصالة، وهي المؤهلة لأن تقود العالم الإسلامي، وكل المؤهلات موجودة فيها، ونضيع أوقاتنا وأوقات علمائنا في غفلة عن هذا الواقع الذي يتلاحق من حولنا بأحداث رهيبة جداً.
    فنقول: الثورة في عالم الطيران هي سباق محموم بين شركات الطيران، كما هو بين شركة الإرباص الفرنسية وشركة البوينج الأمريكية على هذه المرحلة القادمة، سباق قد تختصر فيه المسافات إلى النصف خلال السنوات القليلة القادمة، حيث قد تقطع المسافة بين جدة ونيويورك في 5 ساعات تقريباً، وقد تقطع إذا استمرت أو نجحت الدراسات إلى مدينة الدعارة بانكوك قد تكون مثلاً ثلاث ساعات ونصف أو حول ذلك، بمعنى أننا في ظل هذه الشهوات المحمومة عند شبابنا مع الأسف، وهذه الرغبات التي لا تشبع من الانهماك في الملذات، والجواز مفتوح إلى دول العالم ما عدا إسرائيل أو غيرها، والفلوس موجودة، سوف يكون لهذا نتائجه الخطيرة، وسوف نسمع من يقول -وقد قيل-: الحل عندنا أن نجعل جدة العروس، وكأنها العروس، أي: لا بد أن تكون متبرجة لكل أحد، قالوا: نجعل جدة مدينة سياحية -وقد قرأنا ذلك- فنستقطب أبناءنا فيها، وجدة أفضل من بانكوك كما نُشر، جدة أفضل ألف مرة من بانكوك! وبعد هذا الحل لدرء الفساد الخارجي أن نستقدم الفساد ونستورده! وننشئ مدناً ساحلية أو غير ساحلية ويكون فيها ما ترون من ألوان الفساد والاختلاط، وما سيأتي في المستقبل سيكون أدهى، ولا سيما مع ضعف الدعوة، وانشغالنا نحن طلبة العلم بأشياء بعيدة عن هذا الواقع، ومع ضعف -إن لم نقل حرب- هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومع غيرها من الأمور.